أسد الشعر العربى ( جمال الشرقاوى )
مفهوم الدين و علاقته بالمواطنة
إهداء إلى صديقتى الفرنسية amad Linda
رؤية تحليلية بقلم \ جمال الشرقاوى \
بهذه الكلمات التى رأيتها على صفحة صديقتى الفرنسية على الفيس بوك الرسامة ( ليندا عماد ) amad Linda و هذه الكلمات التى تصدرت صفحتها هى ( لا خير فى دين أو فكر ينشر الكراهية و التفرقة بين البشر ... لا خير فى وطن لا يساوى بين أبنائه و فيه للمواطنة درجات ... لا خير فى إنسان يعيش لنفسه فقط ) و ربما هذا الكلام ليس كلام صديقتى الفرنسية الرسامة ليندا عماد فهو فى الأعم الأغلب رأى ما لأحد من الناس نشره على صفحتها على الفيس بوك و لكنى رددت عليه بتعليق بسيط من شهر تقريبا ووجدتها ترد بقولها إنك ضليع فى تحليل مثل هذه الأمور فأرجو أن تكتب فى هذا الموضوع ووعدتها بذلك .... و بداية بالله تبارك و تعالى نقول إن هذا الكلام من الكلام البراق الذى يعجب بسياقه أى إنسان لكنه يحمل فى معانيه سُمَّا زعافا و هذه السموم الفكرية هى السم فى العسل الذى إذا أكله الإنسان تسمم فكره و اعتقاده و ربما مات أى حاد عن الطريق الحق الذى كان ينتهجه و هذا ما يُسَمَّىَ فى المنهج الإسلامى بإسم ( الضلالة ) و هذا النمط من الكلام المُرَكب و المعنى الخفى هو من كلام أهل الكتاب و ليس من كلام المسلمين أبدا و قد قال الله عز و جل { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة و يريدون أن تضلوا السبيل } [ النساء - 44 - ] و كلام المولى سبحانه و تعالى حق لأن هذا الكلام الضال لا يعبر فى جوهره أو معناه حقيقة عن أى دين سماوى نزل من عند الله تبارك و تعالى صافيا بدون تحريف لإن أى دين سماوى نزل من عند الله سبحانه و تعالى لا يدعوا إلى الكراهية و التفرقة بين الناس كما فى المقولة ( لا خير فى دين أو فكر ينشر الكراهية و التفرقة بين البشر ... لا خير فى وطن لا يساوى بين أبنائه و فيه للمواطنة درجات ... لا خير فى إنسان يعيش لنفسه فقط ) فهذا ليس موجودا أبدا فى القرآن الكريم إلا دفاعا عن النفس فقط أمَّا غير هذا فلن يوجد نهائيا فمثلا { فاقتلوهم حيث ثقفتموهم و أخرجوهم من حيث أخرجوكم و الفتنة أشد من القتل و لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين } [ البقرة - 191 - ] فلا يقول جاهل أن القرآن الكريم هنا يامر بقتل الناس !!! فهذا من قبيل الحقد و الجهل و عمىَ البصر و عمىَ البصيرة لإن الأية الكريمة جاءت بعد أية { و قاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } [ البقرة - 190 - ] و هذا النمط اللغوى البليغ فى القرآن الكريم هو ترتيب أفكار و نسق لغوى مبنى على معانى متسلسلة ففى أية [ البقرة - 190 - ] بدأت بقوله تعالى { و قاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم } أى الذين يتعرضون لكم أيها المسلمين بدون وجه حق و يصدونكم عن نشر دينكم و دعوتكم و يعترضون سبيلكم و يضعون بالفتن و المكر و الخبث العراقيل فى طريق نشركم لدينكم و هذا معلوم أنه حدث من اليهود و النصارى و كفار قريش بل و تعدَّى الأمر لقتل المسلمين فى ( بئر معونة ) غدرا و اغتيالا و محاولة قتل الرسول صلى الله عليه و سلم بالسم فى خيبر و لكنه نجا بفضل الله تعالى و لكن البشر بن البراء بن معرور رضى الله تعالى عنه مات متأثرا بالسم و كذلك ما غزوة الأحزاب إلا اجتماع أهل الكفر من اليهود و النصارى و كفار قريش على أهل الإيمان و لذلك فالله سبحانه و تعالى حذر المسلمين من هؤلاء الكفار و أمرهم { و قاتلوا فى سبيل الله } يقاتلوا من ؟! و الجواب فى نفس الأية الشريفة { الذين يقاتلونكم } أى الذين يتربصون بكم أيها المسلمون الدوائر و يريدون القضاء عليكم و على دعوتكم و هذا عدل إلهى و فى نفس الوقت امتثال من المؤمنين لهذا الأمر الإلهى دفاعا عن أنفسهم و عن دينهم ُثم قال الله تعالى فى نفس الأية { و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } [ البقرة - 190 - ] و أمرهم ربنا جل فى علاه بعدم الإعتداء أى بألا يبدأوا بالقتال حتى إذا ما تعرضوا للإعتداء عليهم قاتلوا دفاعا عن النفس فقال { و لا تعتدوا } لماذا يأمرهم بعدم الإعتداء و الجواب فى نفس الأية { إنه لا يحب المعتدين } أليس من الممكن أن يقول الله تعالى للمسلمين إقتلوا المشركين و الكفار الذين يتعرضون لكم و يصدونكم عن نشر دعوة الإسلام و كفى ؟! و الجواب هو ... كان هذا ممكنا جدا و أيضا سيمتثل المسلمون لهذا الأمر الإلهى و لكن الله تعالى ( العدل ) ( القسط ) قال للمسلمين دافعوا عن أنفسكم فقط { و لا تعتدوا } لماذا ؟! لأنه كما قلنا { إنه لا يحب المعتدين } ثم ترتب التأكيد على هذا الأمر الإلهى فى أية [ البقرة - 191 - ] فقال جل فى علاه و هو أصدق القائلين { و اقتلوهم حيث ثقفتموهم و أخرجوهم من حيث أخرجوكم و الفتنة أشد من القتل و لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين } [ البقرة - 191 - ] و هذه الأية الشريفة جاءت ترتيبا بعد أية [ البقرة - 190 - ] بمعنى إقتلوا الذين يعتدون عليكم من الكفار فى أى مكان تجدوهم فيه دفاعا عن أنفسكم و أخرجوهم من أى مكان كما هم كما أخرجوكم من دياركم و أموالكم و عشائركم و أولادكم و شردوكم فى الأقطار و البلدان و قال فى الأية الشريفة { و الفتنة أشد من القتل } فمن الذى يصنع الفتن على مدار التاريخ كله هل المسلمون الضعفاء أم الكفار الأحزاب فى جمعهم و كثرتهم ؟! و الجواب هو ... الكفار فى جمعهم و كثرتهم و هم الذين يصنعون الفتن و يحركوا الأحداث للأسوأ و ليس المسلمون ... ثم نهى الله تعالى المسلمين و امتثلوا للأمر إلى يومنا هذا { و لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } و متى يقاتل المسلمون إذن ؟! و الجواب هو دفاعا عن أنفسهم و عن مقدساتهم { حتى يقاتلوكم فيه } و هنا جاء الأمر الإلهى المباشر الصريح فى هذه الحالة { فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين }و الملاحظ أن الله تعالى لم يقل ... إقتلوهم ... و إنما قال إذا اعتدوا عليكم بالقتال فى مقدساتكم أو اعتدوا على مقدساتكم فاقتلوهم { كذلك جزاء الكافرين } و كلمة { كذلك } تدل على أنه هذا هو جزاء الكافرين ... هذا هو الإسلام الذى تشير إليه مباشرة هذه المقولة المفضوحة ( لا خير فى دين أو فكر ينشر الكراهية و التفرقة بين البشر ... لا خير فى وطن لا يساوى بين أبنائه و فيه للمواطنة درجات ... لا خير فى إنسان يعيش لنفسه فقط ) ؟!!! و نحن قد وضحنا كيف يدافع المسلم عن نفسه و لو بالقتال إذا ما قاتله أى إنسان و لكن قال الله تعالى { بلى من أوفى بعهده و اتقى فإن الله يحب المتقين } [ آل عمران - 76 - ] و قال تعالى { و لا يأتل أولوا الفضل منكم و السعة أن يؤتوا أولى القربى و المساكين و المهاجرين فى سبيل الله و ليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم و الله غفور رحيم } [ النور - 22 - ] هذا هو الإسلام العظيم الذى يأمر البشر بحب بعض و يساعدوا بعضهم بعضا و ينسوا إساءة بعضهم بعضا و كذلك ورد فى الحديث الشريف [ " حدثنا مؤمل بن الفضل الحرانى حدثنا الوليد حدثنا أبو عمرو عن يحي بن أبى كثير عن عبيد الله بن مقسم حدثنى جابر قال كنا مع النبى صلى الله عليه و سلم إذ مرت بنا جنازة فقام لها فلما ذهبنا لنحمل إذا هى جنازة يهودى فقلنا يا رسول الله إنما هى جنازة يهودى فقال إن الموت فزع فإذا رأيتم جنازة فقوموا " ] صحيح فى سنن أبى داود ... و قال الشيخ الألبانى صحيح سند الحديث ... و كذلك [ " حدثنا سليمان بن داود المهرى أخبرنا بن وهب أخبرنى يونس بن يزيد عن بن شهاب عن عروة بن الزبير أن هشام بن حكيم بن حزام وجد رجلا و هو على حمص يشمس ناسا من القبط فى أداء الجزية فقال ما هذا ... سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله يعذب الذين يعذبون الناس فى الدنيا " ] صحيح فى سنن أبى داود ... و قال الشيخ الألبانى صحيح سند الحديث ... هذا هو الإسلام العظيم لا يعرف القسوة و لا العنصرية و لا الإرهاب و لا التطرف نهائيا و إنما إذا وجهت للإسلام إنتقادات فهى من أفعال المسلمين و ليس من أفعال الإسلام و لا يجب لأى من كائن أن يخلط بين جهل المسلمين و تخلفهم و غبائهم و بين الإسلام فبلا شك أن المسلمين الأن هم الذين جنوا على الإسلام مثل أعدائه و ربما أكثر .... و لكن هذه المقولة المفضوحة ( لا خير فى دين أو فكر ينشر الكراهية و التفرقة بين البشر ... لا خير فى طن لا يساوى بين أبنائه و فيه للمواطنة درجات ... لا خير فى إنسان يعيش لنفسه فقط ) تنطبق على ( الكتاب المقدس ) فهذا هو ابن الله يسوع يأمر أتباعه بالقتل و الذبح [ أمَّا أعدائى أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا و اذبحوهم قدَّامى ] ( إنجيل لوقا \ الإصحاح 19 \ العدد \ 27 \ ) فهذا هو الفرق بين الدفاع الشرعى و القانونى عن النفس فى الإسلام كما بيَّناه من القرآن الكريم و بين إبادة الإنسان بدون سبب فى النصرانية !!! و كذلك انظروا لقول ابن الله يسوع لشعبه [ لا تظنوا أنى جئت لألقى سلاما على الأرض ما جئت لألقى سلاما بل سيفا فأنى جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه و الإبنة ضد أمها و الكنة ضد حماتها ] ( إنجيل متى \ الإصحاح 10 \ العدد \ 34 - 35 \ ) هذا هو الفرق بين الإسلام الذى يسوِّى بين الناس و يحافظ على حقوقهم بغضِّ النظر عن أجناسهم و دياناتهم و هذا الذى يحدث فى النصرانية من تدمير و تفريق بين الناس و كذلك و مشكلة ( المواطنة ) هى عند المسلمين كيفيَّة التعايش مع الآخر و هذا ليس جديدا على العرب و المسلمين فقد كان اليهود و النصارى يعيشون بينهم بكامل حريتهم و عقيدتهم و انتمائتهم الفكرية و المذهبية و جاء الرسول صلى الله عليه و سلم فدعم مبدأ المواطنة كما فى المعاهدات التى بينه و بين أهل الكتاب و خاصة اليهود و هذا واضح فى ( الوثيقة ) التى كتبها رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكنهم لمَّا حاولوا قتله فى خيبر بإلقاء حجر أو صخرة عليه و هو جالس فى ديارهم فأخبره الوحى بهذه المكيدة فقال ( و الله لا يساكنونى فيها أبدا ) هذه هى ( المواطنة ) التى يقبل بها العرب و المسلمون الآخر و هذا هو الإسلوب الذي يستحقونه إذا ما أهملوا واجبات المواطنة و لكن ( المواطنة ) عند اليهود و النصارى هى أنهم لا يعترفون بحقوق الآخر بل و يكيدون له حتى يسقطوا الدول أو يفسدوا الشعوب العربية و الإسلامية بمواطنتهم و إذا ما أفتضح أمرهم يشتكون للمجتمع الدولى بأنهم فئة ضعيفة و مستضعفة و يستحقون الرثاء لأنهم مظلومون و لا يأخذون حقوقهم كاملة و يظلوا هكذا بوجهين و ألف قلب و مليون لسان و لا تعرف لهم موقفا يُذكر حتى تنقسم البلاد و تهلك بمن فيها فهم كالشوكة فى ظهر البلاد العربية و الإسلامية لأنهم إمَّا أن يخرِّبوا أو يكونون فى وضع المضطهد !!! فهم يريدون أن يأخذوا ما لهم و لا يعطون ما عليهم و الحق يُقال بدون تسويف إنهم إذا ما ظلوا هكذا فهم يستحقون ألا يكون لهم أى ( مواطنة ) أو على أقل تقدير أن يكون ترتيبهم فى درجات ( المواطنة ) فى أقل و أردأ درجة و الحق إن هؤلاء الناس هم الذين لا يستحقون أن يعيشوا لأنهم عاشوا لأنفسهم فقط أخذوا حقهم من ( المواطنة ) كاملا ثم هم يتآمرون على البلد الذى أواهم و حماهم و جعلهم بشر لا يشعرون بالدنيَّة و التدنى و لذلك فهذه المقولة الخبيثة لا تنطبق على الإسلام و لا على المسلمين بقدر انطباقها على اليهود و النصارى الذين يريدون ( مواطنة ) تفصيلا على قدر عبائتهم كما يشاءون بدون أن يعملوا هم وزنا للأخر فالدين لله تعالى أمَّا الوطن فإنه للناس و كما آخذ لابد أن أعطى و الكل كما له حقوق فعليه واجبات و لكن هذه الفئة من الناس يرون أنفسهم فقط و لو شئت لأحضرت من الأدلة ما تندى له جبين الإنسانية
القاهرة \ ديسمبر \ الجمعة 16 \ 12 \ 2011 م الساعة 10 صباحا \ جمال الشرقاوى \ كاتب صحفى \