جمال الشرقاوي ال شرقاوي
عرض و تعليق لديوان " لسان من خشب "
للسفير المصرى الشاعر \ احمد الغمراوى \
بقلم \ جمال الشرقاوى \
حينما يكون الشاعر دبلوماسيا فهو يتعرض للخطر دائما و يتعرض لهزات عصبية و ضغط نف نفسى رهيب بسبب مهنته الدبلوماسية و مفاجات عمله السياسى نتيجة ترحاله من دولة لاخرى و معايشته لصراع تلو اخر فى كل بلد يعمل فيه و كل هذا حدث مع السفير الشاعر احمد الغمراوى حيث عمل فى شيلى عام 1973 م اثناء الثورة و تعرض هو و زوجته للقتل و فى عام 1979 م بعد اتفاقية كامب ديفيد ذهب للعراق كرئيس للبعثة المصرية هناك فلما جاءت حرب الخليج الاولى " العراق - ايران " كانت مهمته نقل جثث المصريين الى مصر و فى عام 1984 م ذهب لافغانستان ايام الاحتلال الروسى لها و ظل حتى خروج الروس من افغانستان عام 1988 م و فى حرب الخليج الثانية عمل فى الكويت اثناء اغارة العراق على الكويت و كان مقر عمله خيمة بالصحراء و قد اشادت بعمله منظمة الامم المتحدة و فى اثناء رحلة الكفاح الدبلوماسية - السياسية يكتب قصائده الرائعة فيقول فى
" دبلوماسية الخطر" [ كل الصواريخ اكتويت بها و قنابل التفجير عن بعد ]
[ و اعود مرفوع الجبين و قد نفذت يا وطن العلا وعدى ]
و قد تعرض شاعرنا احمد الغمراوى فى الصبا عام ثورة 1952 م للاعتقال بسبب قصائده السياسية فقال فى " صحوة الاحرار "
[ اثيروا المشاعل حتى تثار فقد علموا شعبكم الانكسار ]
[ و دقوا الطبول الذى يزول لقد آن لكم ان تفهموا ما نقول ]
و قد احرق الشاعر اشعاره السياسية خوفا من الاعتقال و بعد تحسن الظروف نشر اول ديوان له عام 1993 م بعنوان " سقط القمر " و عام 1996 م نشر ديوانه الثانى " اقول لكم " و فى عام 2009 م نشر ديوانه الثالث " لسان من خشب " الذى تفضل الاستاذ الدكتور الجليل مصطفى الشكعة بكتابة مقدمته و هذا الديوان الذى بين ايدينا الان نابع من قريحة شاعر مطبوع صافية و هو يحمل روح رجل دبلوماسى هو السفير الشاعر احمد الغمراوى و الدبلوماسيون الشعراء كثيرون و شاعرنا الغمراوى ليس الدبلوماسى الاول الذى قال الشعر فقد سبقه كثيرا منهم الاستاذ الدكتور العالم الجامعى العميد عبد الوهاب عزام و السفير مصطفى كامل الذى كان يلقب بالسفير الحكيم و السفير يحيى حقى و السفير احمد عبد المجيد و السفير الوزير محمد حسن الزيات و السفير الوزير الدكتور محمود عزمى و السفير محمد طنطاوى و السفير عبد السميع زين الدين و يشغل شاعرنا الشاعر السفير احمد الغمراوى نائب رئيس النادى الثقافى المصرى و نرى حبه للشعر التقليدى فيقول
[ و الشعر الحان يذوب لسمعها حضر و بدو و الشعر فن و ابتكار و هو موسيقى و شدو ]
و يقدم الغمراوى نفسه للقراء فيقول
[ جذورى بعمقك يا نيل مصر و راسى و نفسى فوق الهرم ]
و يقف مع ذكرياته فى قصيدة " العودة "
[ عد يا صديقى فقد شبعت تجولا و اشكر الهك ان اعدك للكنانة منزلا ]
و يمضى فى القصيدة مفاخرا بوطنه فيقول
[ قد عشت عمرك فى المخاطر صابرا و مقاتلا و الموت كان عليك من الجوانب مقبلا ]
و بالرغم من صعوبة الحياه و العمل الدبلوماسى الا انه يجامل اصدقائه فى مناسباتهم كما فى قصيدة " يوم الدبلوماسية المصرية "
[ الله نشكره و نحمد ان الوزير اليوم احمد ] و الاشارة لصديقه الوزير احمد ابو الغيط .... اما عن السفير الشاعر و مكابدة السياسة فيقول
[ لا للسياسة الف لا فالشعب يأتى اولا ]
فضح الشاعر للفساد دون مواربة
[ احتاج لسان من خشب لا ينطق كل الكلمات ]
[ روتين حكومتنا صبر نبلعه فى كل الوجبات ]
فضح سياسة النفاق
[ الصدق بقريتنا مات و جنود القرية كذابون ]
قصائده فى حب مصر
[ مصر فى قلبى و عقلى مصر فى ام الكتاب ]
يتكلم عن جوهر حضارة مصر
[ قل تعالوا و اسمعوا منى احلى الكلمات قل تعالوا نسمع الدنيا ارق الاغنيات ]
الشاعر الدبلوماسى يرصد قاع مصر الحزين
[ و شعبك يا مصر حزين و حكام مصر لهم الف دين ]
[ صحافتنا سخرت بعمق بقصد التقرب للحاكمين ]
و يسخر من ثورة اذهبت بمللك و جاءت بعساكر
[ يعيش على العون يا مصر شعبك مثل الارامل و المعوزين ]
يسخر من الجامعة العربية
[ لجامعة الاعراب اهدى تحيتى لابرىء يوم الحشر ذمتى ]
و يتحدث عن نقمة البترول فى قصيدة " لعنة البترول "
[ فى حضن دجلة ضاع اهلك يا بلاد الرافدين ]
[ ابناء هارون الرشيد تسولوا بالراحتين ]
و عن ماساة حروب البوسنة و افغانستان قال فى قصيدة " الصبر "
[ الصبر طيب يالها من جملة تضنى و تتعب ]
[ فلكم ذهبت و كم تعبت و عدت رغم الصبر اخيب ]
[ فى البوسنة الحمراء الاف الاعراض تسلب ]
[ و العالم المجنون من دم كل بوسنى يهرب ]
و عن فلسطين فى قصيدة " الاهل "
[ اهلى بالقدس الشرقية و عدوى احتل الغربية ]
و شعر الغزل عند شاعرنا ليس تقليديا كما فى قصيدة " الحب "
[ الحب يدمى الوجنتين و يمنح القلق الجميلا ]
و نمضى مع الغزل فى قصيدة " كاذبة "
[ و قد تتجمل الانثى فتكذب ثم تضطرب ]
و يظهر حبه كما فى قصيدة " سلوى "
[ فى مصر يسرى الحب كالعدوى و قلوبنا بمياهه تروى ]
و يتجلى الغزل القصصى فى قصيدة " المنديل "
[ حنانيك لا تشغلى قلبنا ففكاهة الحب ليست لنا ]
و الشاعر له حس فنى عالى فيقول فى قصيدة " فنانة "
[ حسنا باسم الفن قد جعلت للعود كامل صدرها وطنا ]
و الشاعر له شعر " الدعابة " فقال فى قصيدة " مطلوب زوج "
[ لنا جارة ثرثارة لا احبها و اكابد من افعالها و اعانى ]
و قصائد الشاعر لاصدقائه منها قصيدة لصديقه الشاعر فاروق جويدة يقول
[ حياتك يا جويدة شعر حب و حظى ان اعيش انا السياسة ]
و يحفل الديوان بقصائد اجتماعية فالشاعر يحتفى بحفيدة صديقه فى قصيدة " اعجاز لينا "
[ خطابها فى اسبوع الامس قد كثروا فالسن و النسب المرتاح يغرينا ]
[ قال الخليف لابنى و هو يخطبها انى ساطلب مهر العقد مليونا ]
و لم يلبث ان رزق صديق الشاعر بحفيد ثان شقيق ل " لينا " فقال الشاعر على لسان صديقه الجد فى قصيدة " تحية يحيى "
[ يقول اتانا الحفيد الولد و حقق ربك ما قد وعد ]
[ فاهلا بيحيى و اهلا بلينا و يا بارك الله اما وجد ]
و شعر الحكمة عند شاعرنا الغمراوى بدون تفلسف فهو يقول
[ لما وردت تحيتى مستهزئا ادركت انك لا تريد صلاحا ]
و الحكمة عنده عفوية و ليست مصطنعة كما فى قصيدة " هادن عدوك "
[ و ليس الصديق صديق الخلود و ليس العدو بما لا نهاية ]
و تظهر الحكمة فى قصيدة " المعروف "
[ انا فاعل الخير الذى فعل الكثير و لم يزل ]
و تتجلى الحكمة ايضا لبيته و اسرته ففى قصيدة " نصيحة ام "
[ و قالت جهود بلا فائدة و انى لبيت ابى عائدة ]
و كذلك فى نصحه لابنه حكمة ففى قصيدة " لا يا بنى "
[ لا يا بنى كفاك زهوا انى اخاف عليك لهوا ]
و ايضا ينصح ابنه فلا يشد و لا يتسيب فقال
[ ولدى ساختصر الكلام فانا المقصر و المُلام ]
[انى حسبتك طفل الامس من عشرين عام ]
و ايضا لا ينسى شاعرنا الغمراوى زوجته كما فى قصيدة " لماذا الحياء "
[ رفقية عمرى لماذا الحياء اذا قلت انى اعز النساء ]
شاعرنا الاب الحانى ذو القلب الرقيق يودع ابنته المسافرة لاول مرة فيقول
[ ودعت طائرة الضحى و بقيت وحدى فى المطار ]
[ قد سافرت فيها ابنتى و بدات اشعر بالدوار ]
شاعرنا الغمراوى جد و له احفاد يقول فى قصيدته " فريدة "
[ قالوا رزقت الامس بالحفيدة فقلت قد سميتها فريدة ]
احوال الشاعر السفير مع الله تعالى فى قصيدة " نحن بشر "
[ يا سيدى لا تلمنى اننى بشر وواقع الحال ان قد يخطىء البشر ]
الشاعر مبتهل فى ضيافة الرحمن يقول
[ كل يسبح للرحمن مبتهل و جئت يا رب هذا البيت ابتهل ]
و يتجلى ايمان الشاعر فى قصيدة " ركوع "
[ لان الشعر لا يعطى و ان الناس لا تشبع ]
[ دعوت الله يعطينى و ان ارضى و ان اقنع ]
و يردد الشاعر فى تسابيحه فيقول
[ يا خالق الكون كم فى الكون اسرار تداولتها عقول الناس فاحتاروا ]
" تعليق "
" حول ديوان " لسان من خشب " للشاعر السفير احمد الغمراوى فالديوان اكثر من رائع من حيث ثقافة الشاعر و حسه العالى و تجربته الواسعة و عاطفته الكبيرة و امتزاج السياسى الدبلوماسى بالعاطفى المرهف فى وقت واحد فنرى الشاعر السفير يلتحق بصفوف الغاضبين من المواطنين ضد الفساد و الروتين و لا ينسى اسرته فى زحام الدنيا و قسوة الحياه فهو المؤمن فى كلماته و الخائف على وطنه المتقن فى عمله المبتهل الى الله تعالى كل ذلك يضاف الى سلاسة الكلمات و جمال الجرس الموسيقى و روعة التعبير و اجادة الفكرة و عمق مستوى اللغة المعبرة عند الشاعر و الخلاصة فكل الديوان يعبر عن حال الانسان السوى و لا يشذ عن القاعدة الا من ارتضى لنفسه فطرة غير سليمة
كتبت هذا المقال فى القاهرة \ ابريل \ الاحد
17 \ 4 \ 2011 م الساعة 3 عصرا
جمال الشرقاوى \ وكالة انباء مصر