الفن الرأسمالى
بقلم \ جمال الشرقاوى
لقد طغا على الفن المصرى فى الايام المنصرمة فى عهد الديكتاتور المخلوع محمد حسنى مبارك صفة الراسمالية لماذا ؟ لان الفن دائما ينبع من المجتمع الذى يولد فيه و يتبع المجتمع الذى رباه فان صح اللفظ فان الفن هو ابن المجتمع و تابع للمجتمع و يعبر عن قضايا هذا المجتمع كما قيل ان كل اناء ينضح بما فيه و لذلك فالفن هو مرآة المجتمع و المؤشر الذى يشير الى درجة رقى المجتمع او الى درجة انحدار المجتمع و انحطاطه و اعتبرها قاعدة عامة للنقد الفنى و الحكم على الاعمال الفنية الى جانب اقتراب العمل الفنى المعروض من الواقع و هل هو معبر عنه او بعيدا جدا عن الواقع و هارب او ضائع منه فالعمل الفنى الذى لا يعبر عن المجتمع بصدق و موضوعية هو عمل غير فنى لا يستحق ثمن المداد الذى سيكتب به النقد عنه و لا يجب ان يسترعى انتباه الكاتب او الناقد اما اذا كان العمل الفنى غير موافق و متفق مع احداث المجتمع بمعنى انه هارب و خارج عن نطاق مجتمعه فهو كذلك عندى لا يعتبر عمل فنى من الاساس و لا يستحق ان يلتفت اليه و هذا الكلام الذى قلناه لو اردنا ان نطبقه على مجتمعنا المصرى فى فترة حكم الظالم المخلوع محمد حسنى مبارك اى على مدار ثلاثين عاما سنجد ان فى هذه الفترة و ما قبلها بقليل فى فترة الانفتاح فى ايام الرئيس السادات منذ عام 1975 م تقريبا الى الان 2011 م باجمالى 35 عاما و ثلاثة اشهر كان الفن طوال هذه الفترة راسمالى يتجه اتجاهات سياسية مع الميول التى يراها الحاكم و ينفذها و كذلك مع التوجهات التى تراها الدولة و الحكومة و لا يستطيع الفن الخروج عن هذه المسارات المحددة سواء بالخوف من غضب الحاكم او بالخوف من بطش الدولة و الحكومة او سواء بالخوف من ارهابيين امن الدولة و هذه مؤثرات لابد من الاعتراف بها لان هذه الجهات المذكورة تستطيع فعلا تغيير الاجواء فى البلاد على اى مستوى ايا كان و هنا من الممكن ان يسال اى شخص سؤال فيقول طالما ان هذا هو الجو العام المتسم بالديكتاتورية و التسلطية و الحكم البوليسى الارهابى فالنتيجة الطبيعية ان الفن لا يستطيع مجاراة الواقع حتى لا ينال الفنان غضب الحكام و من هنا فهبوط الفن له عذره فنقول ان للرد عدة محاور اولا ان الحياه فى هذه الفترة كانت راسمالية بحتة و الفن اتجه اليها باختياره و بدخول اشخاص راسماليين فى الوسط الفنى فأملوا شروطهم و قد قبل اهل الفن طواعية و انحنوا لاغراء المال و هذه غلطتهم و قد دفعوا الثمن من كرامتهم و سيدفعون الثمن غاليا على المستوى النقدى و التاريخى بعد ذلك و انتجت الاعمال الفنية الهابطة المستوى الرديئة الفكر الفقيرة الى المواهب الحقيقية و هذه الاعمال التى لا تعبر عن الواقع المؤلم الذى يعيشه الشعب المصرى بأى حال من الاحوال و انما كانت كل هذه الاعمال تعبر عن الفئة الراسمالية فقط و للاسف راسمالية وهمية لم يستفيد منها الشعب تحث الناس على حب المال و جمعه و كذلك الافلام التى حثت على انتهاء زمان العلم و الاتجاه للتجارة و الافلام التى احتقرت الوظائف الحكومية و احتقرت مرتبها الضعيف الى جانب غلاء الاسعار و عدم ملاحقة هذه الرواتب الضعيفة للاسعار و افلام تتاجر باحلام الناس و طموحاتهم بعقود عمل مزورة للخارج و افلام رات فى حركة البناء و المقاولات نشاط مادى ملموس و افلام ركزت على بيع الملابس و ادوات المكياج و العطور و الشامبو و الزينة كاعمال تجارية للمكسب السريع و البعض وجد ان اسرع وسيلة ان يكون رجل اعمال يعمل فى الاستيراد و التصدير و الشاذ جدا يبحث عن السرقة ليغتنى و البعض يتاجر فى المخدرات و البعض من اجل المال عملن راقصات و ذلك اظهرته الافلام المصرية بصور عديدة فى الافلام و كانت هذه هى السمة الغالبة على الاعمال الفنية التى قدمت فى بدايات هذه الفترة منذ عام 1975 م الى عام 1990 م بالتقريب الى بدايات الخصخصة و بيع الشركات و هذه الاعمال كانت باكورة الفن الراسمالى الذى يحاول ان يجد لنفسه ارضية يقف عليها و يثبت وجوده الوليد و يساند اتجاه حكومى جديد على المجتمع العربى بصفة عامة و المجتمع المصرى بصفة خاصة لان مصر فى عهد الرئيس الراحل انور السادات رمت خلفها الاشتراكية و بدات عهدها مع الراسمالية الغربية و ارتمت فى الاحضان الامريكية الى يومنا هذا و مصر هى اولى دول العالم العربى التى دخلت فى المعسكر الراسمالى الغربى و ليس غريبا على مصر ان يكون فنها سباقا الى اظهار مواقفها السياسية و هذه الموجة للفن الراسمالى ظاهرة على السطح الفنى بقوة منذ منتصف السبعينات الى اوائل التسعينات اما من بعد عام 1990 م و تحديدا مع بدايات الخصخصة تغير المفهوم الراسمالى السينمائى الفنى بقوة طاغية و ذلك لاسباب منها ان العالم فى هذه الفترة تحديدا اتجه الى تغيير لقب الشخص الثرى من كلمة " "مليونير" و هى اقصى ما كان يتخيله العالم و خاصة العالم العربى الى كلمة " ملياردير " اى صار الشخص لا يمتلك عدة ملايين و انما اصبح الثرى الحقيقى هو من يملك عدة مليارات و هذا مع توجهات " العولمة " و دخولها العالم العربى و كذلك مع توقيع مصر على اتفاقية " الجات " التى جعلت من مصر و العالم العربى سوقا للمنتجات الغربية و كل هذا من جراء " الانفتاح " الذى عمله الزعيم الراحل انور السادات و كلها احداث قوية فرضت نفسها علينا و عششت فى افكارنا و كانت اقوى منا و من سياستنا و ان لم ندخلها طوعا دخلناها كراهية و دخلنا ذلك الميدان العولمى بكل توجهاته السياسية و الاقتصادية و العلمية و الثقافية و الفنية و الاجتماعية و الدينية الاخلاقية و الفنية و بكل امكانياته الرهيبة و نحن ضعاف على كل المستويات سياسيا و اقتصاديا و علميا و ثقافيا و فنيا و اجتماعيا و دينيا و اخلاقيا غير مستعدين لاى شيء و لا لنا قدرة لا على التحدى و لا على فرض ارائنا و بالتالى انجررنا وراء كل ما قالته الحضارة الغربية و المعسكر الاقوى و قد انعكس ذلك على " الفن " المصرى بالطبع و بما ان مصر كانت هى الاضعف فى ذلك الصراع تاثرت بشكل قوى جدا بما يحدث حولها شأنها شأن الوطن العربى المتفرج و بما ان المجتمعات العربية بشكل عام تاثرت و منها مصر على وجه الخصوص فاستوردنا كل ما لدى الغرب من حياه و اصبح المال يتحكم فى كل شيء تحكم سافر حتى شراء النفوس صار سهلا جدا بعد ان كان فى الماضى قبل دخولنا عالم " العولمة " صعبا جدا او بالفعل كاد ان يكون مستحيلا و ظهرت فى مجتمعاتنا طبقات رجال اعمال " عولميون " ان صح اللفظ و ركبوا موجة "العولمة " على نفس النموذج الاوروبى و الامريكى الغربى لا يبالون من اين اكتسبوا المال ولا فيما ينفقونه و عندهم باسم " البزنس " طبعا ان الغاية تبرر الوسيلة بمعنى لا يهتمون باى قيمة فى الحياه و يتحالفون مع الشيطان ليكتسبوا المال و " بس " حتى انتفت كلمة و فعل " العصامية " من ادمغة هؤلاء و انتشرت الشركات " عابرة القارات " فى العالم العربى حتى ان رؤساء هذه الشركات يتحكمون فى رؤساء دول و شعوب باكملها و هم جالسون فى اماكنهم بماذا " بالاقتصاد " و ظهرت فى مجتمعات " العولمة " الاوروبية و الامريكية طبقات رجال المال المجردين من الرحمة و العدل و الاخلاقيات و علقوا اجرامهم و تجردهم من الانسانية على " شماعة البزنس " و الفن بدوره استقى من المجتمع " العولمى " تلك الاصول العريقة للاجرام و العرى و التهتك و الفجور اى صوَّر الفن العربى بعامة و المصرى بخاصة " مجتمع رجال الاعمال " بكل توجهاته الخسيسة من اجل المال سرقاتهم و نفاقهم و تضلعهم فى جرائم قتل اما مجاملة و اما لمصلحة شخصية و احتسائهم للخمور كالماء و تشغيلهم للنساء فى شبكات الدعارة بطرق ملتوية من اجل الوصول لهدف و من اجل اذلال خصم منافس هذا من حيث تحول الفن فى بلادنا للراسمالية و تصويره لحياة فئة الراسماليين الجدد اما من حيث ان هل الفنانين قد انطبعوا بهذه الطباع التى سادت المجتمعات بكل توحشها و اجرامها و الجواب نعم صار الفن سلعة رديئة و صارت شركات الانتاج تتحكم فى العمل حتى يكون جماهيريا و يحصد اكبر قدر من الارباح فى اقل مدة فاعتمد على السيناريوهات المشبوهة و المسروقة و المقلدة من اعمال غربية و من المشاكل التى تاتى فى صفحات الحوادث بالجرائد و ذلك لانتشار الخواء الفكرى و كذلك تحكمت شركات الانتاج باموالها فى عمل المخرج و عمل المؤلف و لها اختيار الفنانة التى تقوم بهذا العمل سواء ان كانت مشهورة او تراءىَ للجهة المنتجة ان تستعين بوجه جديد و لان نجاح العمل الفنى اصبح متوقفا على امكانيات الممثلة و عريها اكثر فترة ممكنة فى الفيلم و على جمال جسدها و ملامحها لا على جودة القصة و موهبة الفنانة و كل ذلك يتم بدفع الاموال بلا حساب حتى تخضع الممثلة و تفعل ما تريده الجهة المنتجة و صارت هذه الشركات المنتجة تتحكم فى العمل الفنى و طاقم العمل كله تحكم العامل فى الالة و بالفعل تردت الاعمال الفنية الراسمالية لهذه الاسباب المذكورة آنفا فالفن له شروط حتى يصبح فنا له قيمة فنية و ابداعية قالوا قديما ان العمل الفنى هو فن و صناعة و تجارة و اقول صناعة فنية محكمة متقنة من اهل الصناعة المتخصصين فى الفن و اهل المال الذين رغبوا فى تقديم فن حقيقى و اضيف لابد للمنتج ان يدرس كيفية الانتاج و اهدافه و لا يكون جاهلا و كذلك الفن ثقافة حتى يتعلم منه المجتمع و كذلك الفن تصوير واقع طبيعى بلا زيادة و لا نقصان و لابد ان تنتهى كلمة " المخرج عايز كدة " و " بيشتغل بفلوسه" و ليس باسم الدراما نمحو التاريخ الحقيقى و الواقع الحقيقى و نفسد حياتنا باسم الدراما او نحول العمل الفكرى الثقافى الى تهريج باسم " الكوميديا " و ليس اسفافا و استخفافا بعقول المشاهدين " بشوية فضايح جنسية و بورنو "
و مشاهد هى عبارة عن مقاطع " فيديو كليب "
فهذا بعينه هو الفن الرسمالى الذى اورد المجتمع و اوردنا المهالك و لابد من النظر فى هذه القضية بعين الاعتبار لان الاعلام اصبح فرد فى كل اسرة فإما ان يكون صالحا او يكون طالحا و لابد ان يكون صالحا واصبح طعاما و شرابا على كل مائدة فإما ان يكون مسموما او يكون صحيا و لابد ان يكون صحيا لاهميته فى التاثير على الشعوب و الارتقاء بها الى اعالى الفكر او النزول بها الى حضيض الانسانية و لابد من احاطة الفن بسور من حديد و شروط قاسية لمن يريد الدخول لهذا العالم الخيالى الذى اصبح جزءا من واقعنا اردنا ذلك ام لم نريد و نتمنى ان يكون لنا شخصية فنية واضحة اذا ما رآها العالم الخارجى قال هذا فنا مصرى مثلما نحن نرى الفن الهندى فنعرفه و الامريكى فنعرفه و هكذا اما نحن الوحيدون الذين نقلد الامريكان و الاوربيون و الافارقة و جميع الاجناس فى اعمالنا الفنية الضحلة الراكدة و هم لا يقلدوننا ابدا فى اعمالهم الفنية و كأننا نستجدى منهم ان يشاهدوا اعمالنا عندما تعرض عليهم او نقول لهم تعاطفوا معنا و اعطونا اى جائزة نحن نقلدكم و نعترف لكم بانكم اسيادنا للاسف اصبح الفن الراسمالى المصرى سخيف و " شحات " و ليس له كرامة و اصبح الفنان المصرى بهلوان لا يرى ان العالم يحتقرونه و لا يحبونه و لا يرى اى شيء لانه مهرج و دمية فى ايدى شركات الانتاج التى اظهرت سوأته حتى النهاية
كتبت هذا المقال فى القاهرة \ مارس \ الاثنين
28 \ 3 \ 2011 م الساعة 47و2 بعد الظهر
جمال الشرقاوى