قضية: الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر
[1]
فى ضوء الخطاب الدينى الجديد
رؤية تحليلية بقلم \ جمال الشرقاوى \
إن الحمد لله تعالى و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم و آل بيته و صحبه الكرام الطيبين الطاهرين بلا مبتدأ و لا منتهى..... ثم أمَّا بعد..... قال الله تبارك و تعالى فى القرآن الكريم { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله و لو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون و أكثرهم الفاسقون }[ آل عمران - 110 - ] تعد هذه الأية الكريمة اشهر أية فى القرآن الكريم يحفظها المسلمون القاصى منهم و الدانى فى مسألة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وفى الحديث عن عائشة [ " أنه خلق كل إنسان من بنى أدم على ستين و ثلاثمائة مفصل فمن كبر الله و حمد الله و هلل الله و سبح الله و استغفر الله و عزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس و أمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الثلاثمائة و الستين السلامى فإنه يمسى يومئذ و قد زحزح نفسه عن النار " ] صحيح فى صحيح و ضعيف الجامع الصغير..بتخريج السيوطى " م " عن عائشة...بتحقيق الألبانى صحيح فى صحيح الجامع... و نستفيد من الإستشهاد بالأية الكريمة و الحديث الصحيح أن الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و اجب مؤكد فى القرآن و السُنة و لكن كيف نفهم الأمربالمعروف و النهى عن المنكر الفهم الصحيح ؟ ! لأنه قد غدا مشكلة كبيرة فى هذا العصر المعاصر و أصبح قضية ذات أبعاد لأنه قاعدة عظيمة يقوم عليها الدين الإسلامى عند المسلمين فضلا عن أنه قاعدة عظمى يقوم عليها أيضا كل الدين بصفة عامة فى كل الرسالات و النبوات المنزلة من عند الله تبارك و تعالى على جميع الأنبياء و الرسل الذين جاءوا لهداية البشر من لدن آدم عليه الصلاة و السلام إلى محمد صلى الله عليه و سلم بلا مبتدأ و لا منتهى... فقد قال الله تعالى { و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون } [ آل عمران - 104 - ] و هذه أيات مطلقة أى يمتد حكمها لأى أمة من الأمم لإن الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر مطلوب لذاته فى أى مكان و زمان و ايضا تحمل فى داخلها وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و " المفلحون " هم الذين علموا و فقهوا و عملوا بما علموا و فقهوا فكانوا كاملين فى ذواتهم فبحثوا فى المجتمع عن جوانب النقص ليكملوها بكمالهم... و نأتى للحديث الأشهر فى هذا الميدان و هو الذى يعمل به أكثر الناس و منه سننطلق بإذن الله تعالى لتصحيح المفهوم التقليدى الشائع فى قضية الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر [ " حدثنا عبد الحميد بن محمد قال حدثنا مخلد قال حدثنا مالك بن مغول عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال - قال أبوسعيد الخدرى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من رأى منكم منكرا فغيره بيده فقد برىء و من لم يستطع أن يغيره بيده فغيره بلسانه فقدى برىء و من لم يستطع أن يغيره بلسانه فغيره بقلبه فقد برىء و ذلك أضعف الإيمان " ] صحيح فى سنن النسائى ... و قال الشيخ الألبانى صحيح سند الحديث...و أيضا أنظروا لفهم العلامة أبو حيان الأندلسى لفهم " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " فى " البحر المحيط " فقدقال ما نصه " فسر بعضهم المعروف بالتوحيد و المنكر بالكفر و لا شك أن التوحيد رأس المعروف و الكفر رأس المنكر و لكن الظاهر العموم فى كل معروف مأمور به فى الشرع و فى كل منهى نهى عنه فى الشرع " وهو تصور لقضية " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " من جانب واحد و هو الجانب الأخلاقى فقط فما حسنه الشرع فهو حسن و ما قبحه الشرع فهو قبيح و كذلك قال الإمام الرازى فى " التفسير الكبير " ما نصه " رأس المعروف الإيمان بالله و رأس المنكر الكفر بالله " و هو بذلك الأمر ما ابتعد كثيرا عن أبو حيان الأندلسى و مثلهما قال أبو بكر الجصاص فى " أحكام القرآن " ما نصه " المعروف هو أمر الله و المنكر ما نهى الله عنه " و كذلك لم يختلف كثيرا عن أبو حيان الأندلسى و لا الإمام الرازى و كأنهم ينقلون من بعضهم البعض المعنى و ربما الكلام أيضا و هو واضح و لذلك فقد وقع العلماء و الفقهاء و الوهابيين السلفيين و صبيانهم مرتزقة الفضائيات كلهم فى هذا العصر فى خطأ شرح الحديث إلا من رحم الله تعالى لأنه فسروه كالأتى... أن من يرى منكرا أى شيئا يناقض الأخلاق الحسنة و الحميدة فليغير هذا المنكر المنافى لفضائل الأخلاق بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و هو أضعف الإيمان و ليأمر بدلا منه بخير.. أليس كذلك و هذا هو الشائع المشهور عن هذا الحديث الذى سمعناه جميعا و سمعنا هذا الشرح فى المساجد و القنوات الفضائية فى كل وقت و مناسبة و قد غدا الأمر معقدا جدا فى ذلك العصر المليء بالمنكرات و لكن ايضا الذى زاد الطين بلة أن الأتباع الجاهلين الذين يأخذون دينهم من مرتزقة الفضائيات قد طبقوا شرح هذا الحديث فى المجتمع حرفيا مما أدى إلى تصادم و مشاكل ناتجة من استخدام العنف و هذا بدوره أدى إلى تصادم العقل و النقل فالحديث يقول بتغيير المنكر بأى وسيلة باليد و باللسان و بالقلب و لكن الذى حدث أن الكل يريد تغيير المنكر باليد فقط و ينسى تغييره باللسان و القلب و الخطأ خطأ من اعتلىَ المنابر و هو غير مؤهل لينصح الناس و من دخل فى الفضائيات لغرض الشهرة و هو ليس فقيها و لا عالما فضلَّ و أضلّ... و هنا لنا وقفة قال الله تعالى فى الأية الكريمة { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله و لو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون و أكثرهم الفاسقون } [ آل عمران - 110 - ] و اقول أن بطول الدنيا و عرضها جماعات و منظمات و هيئات و مؤسسات و جمعيات ينضم إليها ألاف مؤلفة من البشر لو اجتمعوا لصاروا ملايين بلا عدد كلها تدعوا للخير و للفضيلة و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر !!! فلو كانت خيريَّة أمَّة محمد صلى الله عليه و سلم تنحصر فى الفضائل و الخير التى هى الأمر بالمعروف و تبتعد و تحذر من مغبة الشر التى هى النهى عن المنكر فما افترقت شيئا عن هذه الجماعات و المنظمات و الهيئات و المؤسسات و الجمعيات التى تفعل نفس الفعل و ربما هم تفوقوا علينا كمسلمين لأننا قصرنا فى حق ديننا و هم يملكون المال و الإعلام و التقدم و التشجيع !!! أليس كذلك إذن نحن نفهم الحديث و الأيات فهما خاطئا لا يمت لعالمنا المعاصر بصلة و لا حتى يمت لفهم اسلافنا الصالحين بصلة لأن السابقين فهموه بلغة عصرهم الذى يعتمد على العامل اللغوى أكثر من غيره فاستنبطوا من أحاديث و آيات " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " ما يناسب زمانهم أمَّا نحن قد فهمنا أن الخيرية تكمن فى تغيير المنكر باليد و القلب و اللسان و جماعها هو الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر أى نأمر بالفضائل و ننهىَ عن الرذائل فقط و هنا يعتقد كل داعية أنه أدى واجبه و كفىَ دون أن نحاول الإقتراب من معطيات عصرنا الذى أصبحت فيه اللغة أحد عناصر الفهم بجانب مكتشفات العلم و اتساع دائرة المعرفة و اقتراب أهل الملل الأخرى من أهل الإسلام !!! و هنا لنا سؤال... من أين جائتنا الطعنة ؟! و الجواب هو... من الدعاة الغير مؤهلين و غير نابهين و لا مجتهدين و مِن الذى فتح باب الفضائيات لكل ناعق لا يفهم شيئا حتى ضاع مجتمعنا فضلوا جميعا و أضلوا و ليس من عدم الإجتهاد و إنما عدم المقدرة على الإجتهاد و البحث و النظر و التحقيق و لولا خوف الإطالة لاستشهدت عليهم بالأيات الكريمة و الأحاديث الشريفة... و انظروا إلى قول العلامة الحدادى فى " روح البيان " ما نصه " و المعروف هو السنة و المنكر هو البدعة " كما ذكر الإمام الشوكانى فى " فتح القدير " عن أبى العالية ما نصه " كل آية ذكرها الله فى القرآن فى الأمر بالمعروف فهو الإسلام و النهى عن المنكر فهو عبادة الأوثان " كل من استشهدنا بهم جميعهم كلامهم واحد لا يختلف لفظا و لا معنى و كله ينحصر فى أن المعروف هو الخير و المنكر هو الشر... و لنا سؤال آخر هو هل دعوة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر تختص بالمجال الدينى فقط أم بجميع جوانب الحياه و هل هى مقتصرة على رجال الدين فقط أم على أى فرد؟! و الجواب هو... لا... إنما تختص بكافة مجالات الحياه و هذا ما سفصله لاحقا إن شاء الله تعالى...و هى حق لكل فرد فى حدود علمه و طاقته... لكن لمَّا احتكرها الكهنوت الدينى لنفسه وقعت المجتمعات الإسلامية فى مشاكل عديدة و ضاعت أخلاق المسلمين و هيبتهم و ظهر فسادهم شعوبا و حكاما و هنا سيسأل ساءل فيقول و كيف ننفذها على كافة مجالات الحياه بحيث يكون رجال الدين فرع منهم و ليس أمر دعوة " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر" مقتصر عليهم فقط ؟! و نقول بالله تعالى أن الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر لابد لها من هامش علم عند العوام أمَّا بالنسبة لرجال الدين فلابد لهم من معرفة تامة بواقع حياة الناس و المجتمعات قديما و حديثا و معاصرا و معرفة نفسيَّة الناس و احوالهم و الأعراف التى تربوا عليها لماذا ؟ لإن الدعاة اليوم غير مؤهلين تأهيلا تاما لحمل مشاعل الدعوة الإسلامية و الدليل أنهم يعدون بالملايين فى جميع أقطار الدنيا و ما عملوا شيئا للاسلام فمن الواضح تقهقر البلاد الإسلامية فى ربوع الدنيا من استضعاف لهم و عدم اهتمام بهم و ليس لهم وزن و لا قيمة و لا قامة و ليس لهم باع من علم و لا تجارة و لا صناعة و لا زراعة و يعيشون على فتات حضارة الغرب و فضلاتها التى تلقىَ إليهم من حين لأخر فقط هم ينعقون فى الفضائيات بصوت عالٍ و حتى لمَّا شتم الغرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و عملوا ما عملوا من الرسومات المسيئة و حرقوا المصحف ظل شيوخ " الفضاحيات " ينبحون فقط و يستجدون الإعتذار من الغرب و ما أفاد ذلك بشيء و حتى جمهورهم الدنيء الخائب الذى تربى على الزعيق و الصراخ ما استطاع أن يفعل شيئا و لم يستطيع أن يقاطع بضائع الغرب أبدا و الدليل أن بضائع الغرب ما زالت تملأ الأسواق العربية من المحيط إلى الخليج فضلا عن أنها تملأ الأسواق الإسلامية فى كل بقاع الدنيا !!! و اكتفىَ فقط الدعاة الغير مؤهلين للمواجهة و البحث للمجتمعات عن حياة حرة كريمة بالتعصب و الهروب من الواقع و الإنغماس فى شروح الكتب القديمة كتب التراث المقدس!!! و " اللهم اضرب الظالمين بالظالمين و أخرجنا من بينهم سالمين " !!! هؤلاء هم فى حقيقة الأمر دعاة اليوم و اتباعهم الجهلاء هم جميعا لا يفهمون معنى " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " إلا فى أضيق الحدود و هو الأمر بالفضيلة و النهى عن الرذيلة و تلك هى المشكلة لإن هذا الفهم هو عبارة عن فرع واحد من فروع " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " و من هنا قد أفرزوا التعصب فى هذه المسألة الطبيعية حتى غدت عند المسلمين قضية صعبة بل مرض عضال فى العقول و النفوس الإسلامية فلم يعلم دعاة " القنوات الفضاحية " جماهيرهم الجاهلة أن إصلاح المجتمعات هو المقصود من دعوة " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " و تعصبوا فتعصب جمهورهم لأنهم اعتمدوا على أحاديث فيها شدة و هى ضعيفة و على أعلى تقدير لها فى مرتبة الحديث " الحسن " مثل [ " حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبى عمرو و عبدالله الأنصارى عن حذيفة بن اليمان عن النبى صلى الله عليه و سلم قال : و الذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف و لتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " ] قال أبو عيسى أى " الترمذى " هذا حديث حسن حدثنا على بن حسن أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبى عمرو بهذا الإسناد و نحوه...حديث حسن فى جامع الترمذى و قال الشيخ الألبانى صحيح سند الحديث....كما اعتمدوا على رواية ضعيفة أخرى مشهورة و هى [ " حدثنا عبد الله بن محمد النقيلى حدثنا يونس بن راشد عن على بن بذيمة عن أبى عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال - قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أول ما دخل النقص على بنى إسرائيل كان الرجل يلقىَ الرجل فيقول يا هذا إتق الله و دع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله و شريبه و قعيده فلمَّا فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم إلى قوله فاسقون ثم قال كلا و الله لـتأمرن بالمعروف و لتنهون عن المنكر و لتأخذن على يدى الظالم و لـتأطرنه على الحق أطرا و لـتقصرنه على الحق قصرا " ] حديث ضعيف فى سنن أبى داود و قال الشيخ الألبانى ضعيف سند الحديث.... و هو عندى أنا شخصيا يتنافىَ مع الأية الكريمة { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } [ آل عمران - 128 - ]... كما اعتمدوا على حديث ضعيف جدا و هو [ " أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا و كذا على أهلها قال فقال يا رب إن فيها عبدا لم يعصك طرفة عين قال أقلبها عليه و عليهم فإن وجهه لم يتمعر فىَّ ساعة قط " ] حديث ضعيف جدا فى السلسلة الضعيفة.... و هو عندى أيضا فى مضمونه يتنافىَ مع الأية الكريمة { و ما كان ربك ليهلك القرى بظلم و اهلها مصلحون } [ هود - 117 - ] و كذلك اعتمدوا على حديث ضعيف و هو [ " خير الناس أقرؤهم و أفقههم فى دين الله و أتقاهم و آمرهم بالمعروف و أنهاهم عن المنكر و أوصلهم للرحم " ] حديث ضعيف فى صحيح و ضعيف الجامع الصغير بتخريج السيوطى " حم طب " عن درة بنت أبى لهب.. و قال الشيخ الألبانى ضعيف سند الحديث فى ضعيف الجامع... و لا يستطيع أحد منا أن ينكر أنه سمع هذه الأحاديث فى المساجد و على القنوات الفضاحية و من شيوخ الفضاحيات و بؤرة التعصب فى أنها أحاديث تدعوا الناس إلى ممارسة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر بالقوة و باليد فقط و هذه فتوىَ من " مجموع فتاوىَ ابن تيمية " ما نصه " و كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين و إن تكلمت بالشهادتين فإذا أقروا بالشهادتين و كذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و جهاد الكفار إلى أن يسلموا أو يؤدوا الجزية عن يد و هم صاغرون "؟! و هو الأمر الذى يؤكد ما قلناه من دقائق أن فهمهم لهذه الأيات الكريمة التى تتحدث فى هذا الشأن أن يؤخذ بالقوة وكان و مازال خاطئا ألا و هو أن " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " منحصر فى الحض على الفضيلة و البعد عن الرذيلة فقط دون نظر إلى إصلاح المجتمعات و عمارتها و هو خطأ تماما و هو دليل على فساد مجتمعاتنا على كافة المستويات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و العلمية و حتى الأخلاق فاسدة و حتى الفساد الدينى مستشرى بخطابه القديم العفن بجسد و عقل و نفس المجتمعات الإسلامية قاطبة رغم انحصار وعظهم على " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " ؟! و هذا شيء واضح يراه الأعمى فى مجتمعاتنا الإسلامية تلك المجتمعات التى أعدها الله تعالى لخلافته فى الأرض لتعميرها بمبدأ " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " فقال تعالى { و إذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الإرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون } [ البقرة -30 - ] إذن هل عمارة الأرض و خلافة الله سبحانه و تعالى تأتى فقط عن طريق الأمر بالفضائل و البعد عن الرذائل بطريق الشرع و عالم الدين فقط أم باشتراك كل أهل علم و فن من العلوم و الفنون فى عمارة الأرض و فى خلافة المولى جل و علا ؟! و سنأتى بالأدلة لاحقا إن شاء الله تعالى و هل هذا الرأى هو الأصح أم رأى العلامة محمود الآلوسى الذى قال فى " روح المعانى " ما نصه " و المتبادر من المعروف الطاعات و من المنكر المعاصى التى أنكرها "! و كذلك العلامة ابن حجر الهيثمى الذى قال فى " الزواجر عن اقتراف الكبائر " ما نصه " المراد بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر الأمر بواجبات الشرع و النهى عن محرماته " و أراء كل من احضرناها للقارىء تدل على انحصار " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " فى سياق واحد فقط و نسوا الآية الكريمة { يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب } [ ص - 26 - ] تأملوا فى الأية الكريمة " بالحق " أى الطريق المؤدى إلى الغاية المقصودة شريطة أن يكون برضا الله تعالى و ليس بغضبه و الغاية من الخلافة العمارة و الحفاظ على الأساسات أو المكونات الطبيعية التى أعطاها لنا ربنا سبحانه و تعالى فهل هنا بستطيع رجل الدين أن يفتى فى الأمور الهندسية أو السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية أو الطبية أو الفلسفية أو غير ما ذكرنا من صنوف العلوم بحجة " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " ؟؟!! هل أصبح رجل الدين يعرف كل شيء حتى يتكلم فيه ؟! بالطبع هو لا يفهم فى كل هذه المجالات حتى يتكلم فيها إنما يتكلم فقط فى الأمور الشرعية من احاديث صحيحة و تكون منطبقة على آيات القرآن لأن مجاله الوعظ بالحكمة و الإرشاد بالحسنى فقط و لا يتعدى مجاله إلى مجالات أخرى و هذا دليل على ما نقول و كذلك لا يعتمد على حديث ضعيف مثل [ " عن ابن عباس أنه قال - قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس منا من لم يرحم صغيرنا و لم يوقر كبيرنا و يأمر بالمعروف و ينه عن منكر " ] حديث ضعيف رواه الترمذى و قال هذا حديث غريب... و ضعيف فى مشكاة المصابيح...و هنا نستطيع أن نقول أن كل فرد يستطيع أن يقوم بمهمة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فى حدود علمه فقط سواء بيده إن كانت له السلطة و الأهلية لذلك فليفعل فى كل المجالات و فى أضيق الحدود و توخى الحذر لعدم جلب المفاسد و من كان يستطيع أن يغير بلسانه فليفعل و فى كل المجالات أيضا مع الحذر لربما تقع المشاكل و من يستطيع أن ينكر بقلبه فليفعل بشرط دون أن يجرح الغير حتى لا تحقد النفوس على النفوس و تتعقد المصالح و أيضا من يتصدى لمثل هذا الأمر لابد أن يتحلىَ بالحكمة و الصبر و الأخلاق الحسنة بلا تطرف و لا تعصب ثم إن علماء الطب و فقهاؤه هم الذين يفتون فى الطب لإنهم يعلمون أسرار مهنتهم فلو تدخل عالم الدين فى الطب لصار الأمر جنونا و ربما كفر الأطباء فى أمر من اختصاصهم وحدهم و ربما منع على الناس خيرا لهم يعينهم على دنياهم و آخرتهم و كذلك فأهل السياسة و فقهاء القانون هم أدرى الناس بلعبة السياسة و كيفية الحفاظ على مصالح الناس و إدارة شئون البلاد فلو تدخل عالم الدين لأفسد الأمر لجهله بميدان السياسة فلربما كفر الحاكم و السياسين بوجهة نظره القاصرة ذات الزاوية الواحدة و شق المجتمع نصفين أو جعله شيعا كلهم يتربص ببعض و كيف يأمر عالم الدين فى أشياء لم يدرسها ابدا و أكبر دليل أن الله تبارك و تعالى قال { سنريهم آياتنا فى الأفاق و فى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } [ فصلت 53 - ] و هذا قرآن و سنة و أحق الناس بهذا الأمر أهله و هم رجال الدين و لكنهم لم يعرفوا آيات كثيرة يقرأونها كل يوم مثل " النجم الثاقب " و " وردة كالدهان " و " الجينات الوراثية " و " طبقات الأرض " و لا كذلك " الأضرار الطبية للحم الخنزير " و لا الفائدة الطبية " للصوم " و لا أى شيء عن " أطوار الجنين " كما نعرفه نحن اليوم و نقول لهم من الذى أرشدكم إلى هذه المكتشفات... بلا جدال أنهم أهل العلوم المختلفة و على الأخص أهل الكفر " كما تطلقون عليهم " فعلماء الجيولوجيا أعلموهم بما يختص بطبقات الأرض و تكونها و علماء الطب أعلموهم بما يختص بجسد الإنسان و علماء الإجتماع أعلموهم بما كانت عليه المجتمعات و كيف صارت و علماء الإقتصاد أعلموهم كيف نكون ذات مستوى عالى من الرفاهية و هكذا فكيف يتدخل رجل الدين فى قضايا لا يعرفها بحجة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من منظور لغوى فقط ؟! ثم يتعصب و يجادل و يكابر و لا يعترف بجهله حتى لو فسد المجتمع كما هو حادث الأن فى المجتمعات الإسلامية التى دمرها الخطاب الدينى القديم العفن الغير وافى بمتغيرات العصر و كل هذا من جراء فهم خاطىء للنصوص الدينية مثل قول العلامة بن ملك فى " مبارق الأنوار شرح مشارق الأزهار " قال ما نصه " المنكر هو ما ليس فيه رضاء الله من قول أو فعل و المعروف ضده " و قول الملا على القارى فى " المبين المعين لفهم الأربعين " ما نصه " المنكر ما أنكره الشرع و كرهه و لم يرض به " و كذلك قول العلامة المناوى فى " التيسير بشرح الجامع الصغير " ما نصه " من رأى منكم منكرا... شيئا قبحه الشرع فعلا أو قولا... فليغيره " مشكلة أن كل هؤلاء فهموا المعنى و قالوه بحسب عصرهم و المشكلة الأكبر أن شيوخ الفضائيات يتابعونهم بجهل عميق و الذى يؤيد هذا الرأى قول ابن تيمية فى " العقيدة الأصفهانية " ما نصه " و يدخل فى المعروف كل واجب و فى المنكر كل قبيح و القبائح هى السيئات و هى المحظورات كالشرك و الكذب و الظلم و الفواحش " و الملاحظ انهم كلهم يدورون فى محيط واحد و هو أن " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " هو الأمر بالخير و السنة و القرآن و الشريعة و المسارعة لأمر الله تعالى و اجتناب نواهيه فقط دون المساهمة من جميع فئات المجتمع فى هذا الامر و تقصيره فقط على رجال الدين و هذا هو أهم أسباب تخلف و انحطاط المسلمين و خير ما نختم به دراستنا لقضية " الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر " قول الإمام الزمخشرى فى " الكشاف " ما نصه " لأنه لا يصلح إلا من علم المعروف و المنكر و كيف يرتب الأمر فى إقامته و كيف يباشر فإن الجاهل ربما نهى عن معروف و أمر بمنكر و ربما عرف الحكم فى مذهبه و جهله فى مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر و قد يغلظ فى موضع اللين و يلين فى موضع الغلظة و ينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تماديا أو على من الإنكار عليه عبث " و هو كلام رائع لو يتعلمه الأتباع الجهال للوهابيين السلفيين و صبيانهم مرتزقة الفضائيات لأنهم لا يفهمون شيئا و يكابرون و يجادلون بغباء شديد... اللهم " اللهم إنى أعوذ بك أن أكون من الجاهلين " اللهم أعنا على الجاهلين..آمين
كتبت هذه الدراسة فى القاهرة \ اغسطس \ ليلة الجمعة 19 \ 8 \ 2011 م الموافق 19 رمضان الساعة 2 ليلا \ جمال الشرقاوى
صحفى \ وكالة انباء مصر