باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ
قال الحافظ رحمه الله في فتح الباري:
قوله (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على يدي أغيلمة
سفهاء) زاد في بعض النسخ لأبي ذر " من قريش " ولم يقع لأكثرهم، وقد
ذكره في الباب من حديث أبي هريرة بدون قوله " سفهاء " وذكر ابن بطال أن
علي بن معبد أخرجه يعني في كتاب الطاعة والمعصية من رواية سماك عن أبي
هريرة بلفظ " على رءوس غلمة سفهاء من قريش".
قلت: وهو عند أحمد والنسائي من رواية سماك عن أبي ظالم عن أبي هريرة "
إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش " هذا لفظ أحمد عن عبد الرحمن
بن مهدي عن سفيان عن سماك عن عبد الله بن ظالم، وتابعه أبو عوانة عن سماك
عند النسائي، ورواه أحمد أيضا عن زيد بن الحباب عن سفيان لكن قال " مالك
" بدل " عبد الله " ولفظه " سمعت أبا هريرة يقول لمروان " أخبرني
حبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم قال: فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء
من قريش.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَدِّي قَالَ
كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَمَعَنَا مَرْوَانُ قَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ هَلَكَةُ
أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ مَرْوَانُ لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَوْ شِئْتُ أَنْ
أَقُولَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَفَعَلْتُ فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ
جَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مُلِّكُوا بِالشَّأْمِ فَإِذَا رَآهُمْ
غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قَالَ لَنَا عَسَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا
مِنْهُمْ قُلْنَا أَنْتَ أَعْلَمُ
قوله (هلكة أمتي) في رواية المكي " هلاك أمتي " وهو المطابق لما في " الترجمة".
وفي رواية عبد الصمد " هلاك هذه الأمة " والمراد بالأمة هنا أهل ذلك العصر ومن قاربهم لا جميع الأمة إلى يوم القيامة.
قوله (على يدي غلمة) كذا للأكثر بالتثنية، وللسرخسي والكشميهني "
أيدي " بصيغة الجمع، قال ابن بطال: جاء المراد بالهلاك مبينا في حديث
آخر لأبي هريرة أخرجه علي بن معبد وابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة
رفعه " أعوذ بالله من إمارة الصبيان، قالوا وما إمارة الصبيان؟ قال:
إن أطعتموهم هلكتم - أي في دينكم - وإن عصيتموهم أهلكوكم " أي في دنياكم
بإزهاق النفس أو بإذهاب المال أو بهما.
وفي رواية ابن أبي شيبة " أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان "
وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغيلمة كان في سنة ستين وهو كذلك فإن يزيد بن
معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات ثم ولي ولده معاوية ومات
بعد أشهر، وهذه الرواية تخصص رواية أبي زرعة عن أبي هريرة الماضية في
علامات النبوة بلفظ " يهلك الناس هذا الحي من قريش " وإن المراد بعض
قريش وهم الأحداث منهم لا كلهم،
والمراد أنهم يهلكون ناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله فتفسد أحوال
الناس ويكثر الخبط بتوالي الفتن، وقد وقع الأمر كما أخبر صلى الله عليه
وسلم، وأما قوله " لو أن الناس اعتزلوهم " محذوف الجواب وتقديره:
لكان أولى بهم، والمراد باعتزالهم أن لا يداخلوهم ولا يقاتلوا معهم ويفروا
بدينهم من الفتن، ويحتمل أن يكون " لو " للتمني فلا يحتاج إلى تقدير
جواب.
ويؤخذ من هذا الحديث استحباب هجران البلدة التي يقع فيها إظهار المعصية فإنها سبب وقوع الفتن التي ينشأ عنها عموم الهلاك
قال ابن وهب عن مالك: تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارا، وقد صنع ذلك جماعة من السلف.
قال ابن بطال رحمه الله :
وفي هذا الحديث أيضا حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جار،
لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء وأسماء آبائهم ولم
يأمرهم بالخروج عليهم مع إخباره أن هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد
في الهلاك وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم، فاختار أخف المفسدتين وأيسر
الأمرين.